سورة الأحزاب - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله عز وجل: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء، مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قرأ أبو عمرو ويعقوب: {لا تحل} بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، {من بعد}: يعني من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، هذا قول ابن عباس وقتادة.
واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد؟
قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء سواهن.
وقال أنس: مات على التحريم.
وقال عكرمة، والضحاك: معنى الآية لا يحل لك النساء إلا اللاتي أحللنا لك وهو قوله: {إنا أحللنا لك أزواجك} الآية، ثم قال: {لا يحل لك النساء من بعد}، إلا التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها.
وقيل لأبي بن كعب: لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟ قيل: قوله عز وجل: {لا يحل لك النساء من بعد}، قال: إنما أحل الله له ضربًا من النساء، فقال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك}، ثم قال: {لا يحل لك النساء من بعد}.
قال أبو صالح: أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا عربية، ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخالة إن شاء ثلاثمائة: وقال مجاهد: معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن، يقول: ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى، يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية، إلا ما ملكت يمينك، أحل له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يتسرى بهن.
وروي عن الضحاك: يعني ولا أن تبدل بهن ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هن في حيالك أزواجًا غيرهن بأن تطلقهن فتنكح غيرهن، فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين، وحرمهن على غيره حين اخترنه، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه.
وقال ابن زيد في قوله: {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل: بادلني بامرأتك، وأبادلك بامرأتي، تنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله: {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} يعني لا تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجك وتأخذ زوجته، إلا ما ملكت يمينك لا بأس أن تبدل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا.
وروي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم بغير أذن، وعنده عائشة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عيينه فأين الاستئذان»؟ قال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال: هذه عائشة أم المؤمنين، فقال عيينة: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد حرم ذلك»، فلما خرج قالت عائشة: من هذا يا رسول الله؟ فقال: «هذا أحمق مطاوع وإنه على ما ترين لسيد قومه».
قوله عز وجل: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} يعني: ليس لك أن تطلق أحدًا من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها.
قال ابن عباس: يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، فلما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهي عن ذلك.
{إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: ملك بعد هؤلاء مارية.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} حافظًا.
وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء. روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا محمد بن محمد بن علي بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم، أخبرنا أبو بكر الجوربذي قال: أخبرنا أحمد بن حرب، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم هو ابن سليمان، عن بكر بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «هل نظرت إليها؟» قلت: لا قال: «فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما».
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا حامد ابن محمد، أخبرنا بشر بن موسى، أخبرنا الحميدي، أخبرنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئا» قال الحميدي: يعني الصغر.


قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآية. قال أكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا يحيى بن بكير، أخبرنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني أنس ابن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: وكانت أم هانئ تواظبني على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فخدمته عشر سنين، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، فكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسًا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث، فقام النبي لله فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء حجرة عائشة، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه الستر، وأنزل الحجاب.
وقال أبو عثمان- واسمه الجعد- عن أنس قال: فدخل يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة، وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}.
وروي عن ابن عباس أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} يقول: إلا أن تدعوا، {إِلَى طَعَامٍ} فيؤذن لكم فتأكلونه، {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه، يقال: أنى الحميم: إذا انتهى حره، وإنَى أن يفعل ذلك: إذا حان، إنى بكسر الهمزة مقصورة، فإذا فتحتها مددت فقلت الإناء، وفيه لغتان إنى يأنى، وآن يئين، مثل: حان يحين.
{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ} أكلتم الطعام، {فَانْتَشِرُوا} تفرقوا واخرجوا من منزله، {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} ولا طالبين الأنس للحديث، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك.
{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي: لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء.
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: من وراء ستر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم منتقبة كانت أو غير منتقبة، {ذَلِكُمْ أَطْهَر، لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الريب.
وقد صح في سبب نزول آية الحجاب ما أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا يحيى بن بكير، أخبرنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة- حرصًا على أن ينزل الحجاب- فأنزل الله تعالى آية الحجاب.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب ابن أحمد الطوسي، أخبرنا عبد الرحيم بن منيب، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حميد، عن أنس قال: قال عمر: وافقني ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقلت: يا رسول الله إنه يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني بعض ما آذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه، قال: فدخلت عليهن استقربهن واحدة واحدة، قلت: والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجًا خيرًا منكن، حتى أتيت على زينب فقالت: يا عمر ما كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت، قال: فخرجت فأنزل الله عز وجل: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} [التحريم- 5]، إلى آخر الآية.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء، {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} نزلت في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكحن عائشة.
قال مقاتل بن سليمان: هو طلحة بن عبيد الله، فأخبره الله عز وجل أن ذلك محرم وقال: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} أي: ذنبا عظيما.
وروى معمر عن الزهري، أن العالية بنت ظبيان التي طلق النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلا وولدت له، وذلك قبل تحريم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس.


{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: قال رجل من الصحابة: ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا؟ فنزلت هذه الآية.
ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: ونحن أيضا نكلمهن من وراء الحجاب؟ فأنزل الله:

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13